التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
هل أخطأ عثمان بن عفان بتولية أخيه الوليد بن عقبة؟
نشأ خلافٌ بين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والي الكوفة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه مسؤول بيت المال، وورد بسندٍ ضعيفٍ أنَّ الخلاف كان بسبب مالٍ استقرضه سعدٌ رضي الله عنه من بيت المال، ولم يردَّه في الموعد، فاستعان عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ببعض أهل الكوفة، وتفاقم الخلاف[1].
حقَّق عثمان رضي الله عنه في الأمر وانتهى إلى تخطئة سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، وعزله عن إمارة الكوفة، ولعلَّ اختيار عثمان رضي الله عنه للعزل بدلًا من مجرَّد اللوم هو خوف عثمان رضي الله عنه من تكرُّر الفتن في الكوفة، وهي التي من أجلها عَزَل عمرُ رضي الله عنه قبل ذلك سعدًا رضي الله عنه عن المدينة نفسها.
ولَّى عثمانُ بن عفَّان رضي الله عنه بعد ذلك الوليدَ بن عقبة بن أبي معيط رضي الله عنه على الكوفة، وولاية الوليد رضي الله عنه من المآخذ التي سيأخذها أهل الفتنة بعد ذلك على عثمان رضي الله عنه، وهي أيضًا من الأمور التي يطعن بها الشيعة في كتبهم في نزاهة عثمان رضي الله عنه، والأمر يحتاج إلى وقفة.
كان الوليد بن عقبة رضي الله عنه أخا عثمان رضي الله عنه لأمِّه (أمهما أروى بنت كريز)، وهو أمويٌّ كذلك، فهذا أحد الأسباب التي جعلته مطعنًا للناس؛ وذلك لأسباب ثلاثة:
1- إذ قالوا ولَّاه لقرابته. (ليس هو الأول في توليته، بل ولَّاه أبو بكر وعمر)
2- كان الوليد رضي الله عنه شابًّا، وفي ظنِّي أنَّه كان بين الثلاثين والأربعين وقت ولايته، والرِّواية التي تذكر أنَّه كان طفلًا عام فتح مكَّة روايةٌ ضعيفة (هذه منقبة لعثمان)
3- السبب الرئيس أنَّهم زعموا أنَّ الوليد رضي الله عنه فاسقٌ بنصِّ القرآن، ومِنْ ثَمَّ لا تجوز ولايته!
ورد بأسانيد ضعيفة يمكن أن ترتفع إلى درجة الحسن إذا جُمِعَت، أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة رضي الله عنه لجمع صدقات بني المصطلق من خزاعة، وأنَّهم خرجوا إليه بالسِّلاح، إمَّا تشريفًا له، وإمَّا خوفًا منه، وأنَّه خاف منهم وظنَّ أنَّهم قاتلوه، فرجع مسرعًا إلى الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنَّ القوم منعوا الزكاة، ويُجَهِّزون لحربه، فأعدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم العدَّة لحربهم، ثمَّ تبيَّن له عدم دقَّة الخبر، ومرَّ الموقف بسلام، وأنزل الله تعالى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
على فرض صحَّة الخبر فإنَّ الآية تذكر توجيهًا عامًّا يُنَبِّه على ضرورة التثبُّت من الأخبار، وتُحذِّر من أنَّ الذي ينقل الأخبار دون تثبُّت فاسقٌ ينبغي التيقُّن من روايته، ولم يَصِمِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم الوليدَ رضي الله عنه بوصف الفسق قط، ولم يُوجِّه له لومًا، بل اعتبره مجتهدًا اجتهادًا خاطئًا، فما فعله لم يكن بنيَّة العمد؛ إنَّما كان على وجه الظَّنِّ، وحتى لو كان هناك فِسْق في هذا الموقف فلا معنى لالتصاق الصفة بالعبد إلى الأبد، بالإضافة إلى تعليقنا على الآية، فليس عثمان رضي الله عنه هو أوَّل مَنِ استخدمه بعد الموقف السَّابق:
في عهد أبي بكر كان رسولًا بين خالد بن الوليد وأبي بكر رضي الله عنهما، وذلك عقب موقعة ذات السلاسل جعله أبو بكر رضي الله عنه على رأس مددٍ إلى عياض بن غَنْم رضي الله عنه أثناء حصاره لدومة الجندل، الأكثر من ذلك أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه ولَّى الوليد بن عقبة رضي الله عنه على جمع صدقات قضاعة، وهي الوظيفة نفسها التي نزلت الآية للتحذير من أخبار الفسَّاق فيها، فلو كان الوليد رضي الله عنه متَّهمًا بذلك ما أعاد الصديق رضي الله عنه توليته في المهمَّة نفسها، مع علمنا بدقَّة اتِّباع الصديق رضي الله عنه لسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
في عهد عمر ولَّاه عمر قيادة جيشٍ لفتح أرض الجزيرة الفراتيَّة، بل ولَّاه بعد ذلك على منطقةٍ في الجزيرة تعيش بها قبائل تنوخ وربيعة، وأثبت جدارةً في ولايته، وأبقاه عمر رضي الله عنه -على الرَّغم من عزله لآخرين من الصحابة- على ولايته طول عهده، وبينه وبين عمر رضي الله عنه مراسلاتٌ معروفةٌ بشأن هذه الولاية وأهمِّيَّتها، خاصة أن الجزيرة كانت ملاصقة لأرض الروم في الأناضول، وكانت الاحتكاكات بها مع هرقل مستمرة.
وهل لم يكن الوليد بن عقبة كفئًا عند ولايته في عهد عثمان؟ أثبت كفاءة كبيرة، وأعاد فتح أذربيجان عندما انتقضت عام 28ه، وله فتوحات مهمة في أرمينية وقال الطبري: «ذُكِرَ عِنْد الشَّعْبِيِّ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه[2] وَجِهَادُهُ، وَمَا كَانَ مِنْ فُتُوحَاتِهِ، فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُمُ الْوَلِيدَ رضي الله عنه، وَغَزْوَهُ وَإِمَارَتَهُ، إنْ كَانَ ليَغْزُو فيَنْتهي إِلَى كَذا وكَذا، مَا قَصَّرَ، وَلا انْتَقَضَ عَلَيْهِ أحدٌ حَتَّى عُزِلَ عَنْ عَمَلِه».
وهل أبقاه في الولاية عند حدوث الخطأ؟ أو الشكِّ في حدوث الخطأ؟ عندما اتُّهم بشرب الخمر عام 30 من الهجرة عزله وولَّى غيره، مع أنه كان شاكًّا في حدوث الأمر، ولكن لدرء الفتنة[3].
[1] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 4/251، 252.
[2] من الصحابة، ومن كبار المجاهدين، ولو فتوحات معروفة بالشام.
[3] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك